إقتصاد

الصين.. زمن “الاقتصاد الفضي”

(عبد الغني اعويفية)

بشعره الفضي ونظرته الثاقبة، يجد لي تشانغ على الرغم من بلوغه سن الـ 75، متعة حقيقية في ممارسة الرياضة كل صباح في مجمعه السكني، متحديا البرد القارس الذي يخيم على أجواء العاصمة الصينية بكين.

أثناء استراحته القصيرة، تحدث لي، بحماس شديد، عن رغبته في مواصلة رحلة التحدي بالحياة، والاستمتاع بالامتيازات المتاحة في هذا البلد الذي يتقدم بخطوات كبيرة نحو الحداثة الصاعدة.

يقول هذا المستخدم البنكي السابق “لقد قرأت الكثير عن مخططات الحكومة لتطوير الخدمات المقدمة لكبار السن”، لافتا إلى أن الأمر يتعلق “بالاقتصاد الفضي”، في اشارة لمدى أهمية الخطة الصينية.

ويبدو أن الصين المصممة على مواصلة صعودها الاقتصادي، لا تترك أي شيء للصدفة، ذلك أن السكان، من جميع الفئات العمرية، تساهم في الجهود المبذولة لضمان نجاح الصعود المذهل للمملكة الوسطى.

وإذا كان الشباب هم حجر الزاوية في جهود التنمية التي يتعين أن تحقق أهدافها قبل سنة 2050، وفقا لمخطط الحزب الشيوعي الحاكم، فإن كبار السن لا يتم استثناءهم من هذه الدينامية “ذات الخصائص الصينية”، كما يؤكد الخطاب الرسمي.

ولعل إشراك كبار السن ليس ترفا أو بديلا، بل ضرورة إذا تم الأخذ بعين الاعتبار التطور الديموغرافي بالبلد.

وتواجه الصين شيخوخة مثيرة للقلق بين سكانها البالغ عددهم أكثر من 1,4 مليار نسمة. وبحسب البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الصيني أمس الأربعاء، فإن عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما سيصل إلى 520 مليون كحد أقصى في السنوات المقبلة، مما سيؤدي إلى شيخوخة السكان التي من المرجح أن تقترب من 50 في المائة.

ويقول رئيس مكتب الإحصاء كانج يي إن هذا الوضع يشكل تحديا كبيرا للبنيات الاجتماعية والاقتصادية القائمة ويتطلب حلولا مبتكرة.

ومع ذلك، فإن البلد مصمم على تحويل ما قد يبدو في البداية وكأنه عائق إلى ميزة، ذلك أنه بعد سنوات طويلة من العمل والمساهمة الفعالة في بناء الصين، فإن هذه الفئة من السكان مدعوة لأن تصبح، في إطار الرؤية الجديدة، رافعة في مخطط تنمية الصين، وهذه المرة كمستهلكين للعديد من السلع والخدمات.

بهذه الطريقة أصدر مجلس الدولة، وهو أعلى هيئة إدارية بالبلد، مؤخرا توجيهات تدعو الشركات العاملة في مجموعة واسعة من القطاعات، من الصحة للضيافة، مرورا بالخدمات المالية أو التكنولوجيات الجديدة، للانخراط في الاستراتيجية الجديدة، و الهدف جعل كبار السن مصدرا للدخل ومساهما مهما في الناتج المحلي الإجمالي للبلد.

وبحسب المحللين الاقتصاديين، يتعلق الأمر بفئة واعدة لم يتم بعد الاستفادة منها بالكامل، وذلك بالنظر للإمكانات الهائلة بفضل حجم السوق وتنوع الصناعات والخدمات.

وبحسب البيانات التي نشرتها الصحافة، فإن حجم “الاقتصاد الفضي” الصيني واصل نموه منذ سنة 2016. وفي سنة 2020، قدرت قيمة هذا الاقتصاد بحوالي 744 مليار دولار، و1,6 مليار في نهاية سنة 2023.

وتأتي توجيهات مجلس الدولة بتدابير ملموسة، ذلك أنه في قطاع الصحة، فإن المستشفيات والمؤسسات الصحية مدعوة لتعزيز وتنويع الخدمات المقدمة للمسنين.

وفي هذا القطاع تحديدا، يعتبر المحللون أن حجمه سيزيد عن 800 مليار دولار سنة 2025 وسيتجاوز 3 تريليون دولار بحلول سنة 2030.

وينطبق الشيء نفسه على خدمات الضيافة، التي يتعين أن تؤكد ابداعها لتطوير خدمات محددة لصالح كبار السن. ويتم اقتراح عروض مبتكرة في مجال السفر، والترفيه، والثقافة، والمطاعم.

كما يتم الاستفادة من التكنولوجيا الفائقة والابتكار، لا سيما من خلال تطوير الروبوتات التي تقدم خدمات مساعدة تتكيف مع احتياجات كبار السن. وبحسب خبراء فإن هذه الصناعة سيتجاوز حجمها 52 مليار دولار سنة 2025.

وإذا كانت الحكومة والخبراء قد اتفقوا على الآفاق المبشرة لهذا الاقتصاد، فلا تزال هناك تحديات يتعين مواجهتها.

ويتعلق الأمر على الخصوص بالخلل الملحوظ في نظام الضمان الاجتماعي بالبلد، والذي يقول المحللون إنه يتطلب إعادة النظر لتمكين كبار السن من الاضطلاع بأدوارهم بشكل كامل في الاستراتيجية الجديدة.

وقال لي جون الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، وهي أكبر مجموعة تفكير بالصين، إن كبار السن اليوم أفضل حالا من الناحية الاقتصادية لأن بلدنا يتوفر على صناعات كاملة لتلبية احتياجات هذه الفئة، مشيرا بالمقابل إلى أن نظام الضمان الاجتماعي يمكن أن يعيق رغبة الناس في الاستهلاك”.

وعلى الرغم من هذه الصعوبات، فإن تطوير “الاقتصاد الفضي” أمر لا محيد عنه في الصين، حيث من المتوقع أن تؤدي شيخوخة السكان لتغيير البنية الديموغرافية للبلد والتأثير على نموذج التنمية الاقتصادية.

The post الصين.. زمن “الاقتصاد الفضي” appeared first on MAP FINANCE.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى