إقتصاد

آجال الأداء: حوار مع رئيس جمعية الشبكات الاقتصادية الأوروبية-الإفريقية، محمد الوحدودي

 

(أجرت الحوار: كوثر شعات)

 

في حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، سلط رئيس جمعية الشبكات الاقتصادية الأوروبية-الإفريقية، محمد الوحدودي، الضوء على الرهانات الاقتصادية والمالية المتعلقة بآجال الأداء.

1. هل يمكنكم تقديم لمحة عامة عن آجال الأداء اليوم؟

يعتبر مرصد آجال الأداء الذي أحدثته وزارة المالية قبل جائحة كوفيد مصدرا موثوقا لقياس التقدم المحرز على مستوى عادات أداء الإدارات والمقاولات العمومية، والتي تغذي بدورها قطاعات كاملة من الاقتصاد. وتواصل آجال الأداء تحسنها، حيث يعتبر القطاع العمومي رائدا في هذا المجال مقارنة بالقطاع الخاص، رغم أن هذا الأخير تكون لديه في بعض الأحيان أسباب وجيهة تفسر الممارسات التي يتبناها، مثل تداعيات وباء كوفيد.

وفي ما يخص القطاع الخاص، وإلى جانب وكالات التصنيف، يسهر الاتحاد العام لمقاولات المغرب بشكل منتظم على معالجة إشكالية آجال الأداء، والتي تعد بمثابة مسألة “حياة أو موت” بالنسبة للمقاولات. ويظهر جليا وجود تراجع عند هذا المستوى، ارتباطا بالأساس بالتداعيات الناجمة عن الوباء.

نعيش اليوم فترة ما بعد فيروس كورونا مع ما تحمله من صعوبات. ومن عجيب المفارقات أن المقاولات التي تواجه صعوبات تقف أمام عقبتين: الأولى تتمثل في ضرورة الأداء قبل التسلم، نظرا لندرة المنتجات وارتفاع الأسعار، والثانية تكمن في تحمل الآثار المترتبة عن تأخر أداء الزبائن.

وقد كسر الموردون العادات المرتبطة بتسليم البضائع قبل الأداء، حتى مع الزبائن القدامى. وجراء ذلك، أضحت مخاطر الإفلاس تلوح في الأفق، ومنه انبثقت الحلقة المفرغة المتمثلة في الخشية من التأخر في الأداء أو من عدم سداد الفواتير، والخوف من فقدان الزبائن.

وتتعهد المقاولات بالإنتاج والتسليم بناء على سند الطلب والوعد بتسوية الوضعية في أقرب الآجال، وهو أمر جاري به العمل حتى على مستوى الطلبيات العمومية، لذا فمن الصعب قياس حصة ما هو مهيكل وما هو غير مهيكل. وتجدر الإشارة إلى أن المقاولات تهدر طاقات هائلة لمجرد الحصول على سند طلب مهيكل.

2. ما هو تقييمكم للإصلاحات المتعلقة بآجال الأداء في المغرب؟

هناك فجوة بين القانون وما هو موجود على أرض الواقع، لذا فإن الأمر يستدعي العمل من أجل الإصلاح الشامل لمناخ الأعمال برمته في المغرب.

ويمكننا الاستشهاد، في هذا الصدد، بالعشرات من الحالات التي تواجه فيها المقاولات صعوبات كبرى، بل وتواجه خطر الإفلاس.

ويتعين التأكيد في ما يتعلق بآجال الأداء، على ضرورة توعية المشترين، من القطاعين العام والخاص، بأهمية الوفاء بالالتزامات. ويمكن، في هذا السياق، رقمنة معظم مراحل عملية الأداء، أو حتى مجملها، مما سيسمح بالتحصن ضد كافة المخاطر، بما فيها مخاطر الفساد.

3. ما هي انعكاسات القانون المتعلق بآجال الأداء على مردودية المقاولات وقدرتها التنافسية؟

يساهم الإطار التشريعي في تغيير العقليات وإرساء مناخ أعمال تسوده الشفافية والنجاعة، كما يراعي التوظيف ويكفل احترام مصالح المقاولات.

وتعد المقاولات الصغيرة جدا الأكثر تأثرا بالآثار المترتبة عن القانون المتعلق بآجال الأداء، إذ تستند ربحية المقاولات وقدرتها التنافسية على عدة عوامل، من بينها آجال الأداء.

وبشكل عام، فإن المقاولة التي تمضي أمورها على نحو سليم تكون على دراية كاملة بكيفية استغلال كافة الروافع، من فاتورة التسعير مرورا بالاستلام وصولا إلى الأداء وسداد الالتزامات، إذ يجيد دافعو الفواتير المُنضبطون تسيير المقاولة بشكل سليم، والعكس صحيح.

4. ما هي الآثار المترتبة عن تطبيق هذا القانون من حيث المنافسة والاستهلاك ومكافحة الغش؟

يؤكد سؤالكم هذا أن صلب النقاش يتمثل في تحسين آجال الأداء بالنسبة للمقاولات وبالنسبة لبعضها البعض.

ونشهد اليوم على وجود عدد كبير من المقاولات التي تحقق نموا قويا وتسدد ديونها، لكنها مماطلة على مستوى أداء فواتير الموردين، والغريب أنها تتحدث عن كفاءة ونجاعة أدائها!

ولا تزال ثقافة “أنا ومن بعدي الطوفان” سائدة وشائعة، وهو ما يفسر دهشتنا عند سماعنا بعض المقاولات التي تدعو مورديها للقدوم من أجل تحصيل أموالهم.

وتعتبر المقاولات الناجحة تلك التي تنهج مبدأ إزالة الطابع المادي وتحقق نجاحا على كافة المستويات، إذ تمثل الممارسات الجيدة، والحكامة الأخلاقية، واحترام المنافسين (“تنحية المنافسين تعد تدميرا لمناخ الأعمال”)، وتعزيز السيادة الاقتصادية من خلال اللجوء إلى الخبرة المحلية … الرهانات الحقيقية أمام الاقتصاد التضامني برمته، وليس أمام التعاونيات فقط.

والجدير بالذكر أن الإدارات في المغرب تسير على النهج الصحيح، بل وتشكل مثالا يحتذى به، خاصة بالنسبة للعديد من المقاولات العاملة في القطاع الخاص.

ويعد تحسين آجال الأداء ضرورة ملحة، إذ أضحت أتمتتها ورقمنتها أكثر إلحاحا من المساطر والإجراءات العقابية.

وقد عفا الزمن على الختم والتوقيع، وأضحى بمقدورنا اليوم اعتماد التوقيع الإلكتروني في جميع الفواتير ومن طرف كافة المقاولات، مما سيدعم سياسة “صفر ورق”.

5. ما هو الأثر الذي سيحدثه تعزيز نظام مراقبة آجال الأداء على سلسلة التوريد؟

لا ينبغي أن يشكل الأداء في الوقت المحدد موضوع القانون فقط، وإنما أن يتجاوزه ليشمل سلوك المواطن ويصير عادة متأصلة.

وللأسف، فإن الاستلام دون الدفع وممارسة الأداء المتأخر أصبحا عادة تمارس على الصعيد الوطني.

سيصبح التحكم في آجال الأداء، والذي يتسبب في غالبية المشاكل التي يعاني منها بلدنا، أكثر فعالية حينما ستتم رقمنة الإجراءات.

لذا، فلنضع شاشات بين الزبون والمورد أثناء عمليات التسوية، وسنشهد على اليوم الذي ستختفي فيه مظاهر هذا الفساد “الصغير” الذي ابتليت به دواليب الاقتصاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى